التنسيق بين الموساد والمخابرات الأمريكية في حرب 1967. الجزء الأول

التنسيق الحاصل بين الموساد والمخابرات الأمريكية في حرب يونيو/حزيران 1967

-1-

انطلاقا من المبدأ الصهيوني الأميركي القائل بأن الأحذية الثقيلة هي التي تصنع التاريخ، قامت حرب الخامس من يونيو/حزيران عام 1967م بين العرب وإسرائيل.

فما هو سر هذه الحرب؟ وكيف خطط لها؟.



ففي وقت مبكر من صباح الأول من يونيو 1967، رن جرس الهاتف في منزل ريتشارد هيلمز، مدير الاستخبارات المركزية الأميركية (سي. آي. إيه.) ودهش هيلمز لذلك لأن الاتصال به کان عبر خط الهاتف الشخصي غير المدرج في القوائم المعروفة. وتناول هيلمز سماعة الهاتف، فعرف على الفور الصوت القادم من الطرف الآخر، وهو صوت (مئير عميت) رئيس الاستخبارات الإسرائيلية، ورفيقه منذ أيام الدراسة في جامعة كولومبيا، الذي بقي رئيسا للموساد منذ سنة 1992.

وعرف هيلمز من نغمة الصوت أن المحادثة لم تكن حوارا وديا عاديا.

قال عميت: أنا مضطر لرؤيتك يا ديك، أتحدث إليك من حجرة للهاتف من المطار، لا يدري أحد أنني هنا، فقد دخلت بالطائرة وانتهى الأمر.. والأمر ملح للغاية.

وبالرغم من المفاجأة، استعاد هيلمز رباطة جاشه بسرعة وأجاب بقوله: إنني مشغول بإجراء بعض المقابلات في هذا الصباح، ولكني سألتقي بك في وقت متأخر من هذا النهار، لكن إذا تمكنت أنت في أثناء ذلك من السفر إلى مقرنا في لانجلي[1]، فسوف أجعل بعض رجالنا يقابلونك، وسيبلغونني بخلاصة الموضوع قبل وصولي إليك إذا أخبرتهم به.

وأجاب مئير: سأكون هناك.

كانت هذه الزيارة لمئير عميت غير عادية، وتمثل الذروة في الاضطرابات التي دامت عدة أسابيع في تل أبيب، خاصة بعد أن أقدم الرئيس المصري عبد الناصر على إغلاق مضايق تيران في وجه الملاحة الإسرائيلية. وقد فسر قادة إسرائيل، من عسكريين ورجال استخبارات، هذه الخطوة بأن فرصة إسرائيل الوحيدة في التغلب على خصمها الذي يفوقها في العدد والعدة، هي أن تكون البادئة بالهجوم.

عرض مئير عميت وجهة نظره بكل ما لديه من قوة، على رئيس الوزراء، ولكن ليفي إشكول[2]، الحَذِر، تعرض لحملة انتقادات عنيفة قامت بها الصحف، وقام بها مستشاروه العسكريون الأكثر ميلا إلى العنف. ومن دلائل الإحباط في أوساط مستشاري أشکول، ذلك الحادث المثير، الذي وقع أثناء مؤتمر عقد في آخر مايو في مكتب رئيس الوزراء، عندما وصل الجنرال أريئيل شارون إلى المؤتمر ومسدسه مشدود إلى خاصرته، وعندما لفت رئيس المجلس نظره إلى أن الوزراء لا يحملون السلاح في أثناء الاجتماعات في العادة، رمى شارون مسدسه على المقعد وصاح بصوت عالٍ، لابد أن يكون ليفي إشکول قد سمعه، وكأنه يحادث نفسه: وإن كنت تظن أن من الضروري استعمال المسدس لإيقاف رئيس الوزراء، فأنت أحمق، ما عليك إلا أن تصيح وسيولي أدباره. وأدخل هذا الهياج العارم الكآبة إلى قلب إشکول. لكن الأوضاع تردت وسارت من سيئ إلى أسوأ، وزاد الطين بلة بالقياس إلى إسرائيل، التحذير الذي وجهه الجنرال ديجول[3] لها بألا تقوم بمهاجمة العرب. وكان صدور هذا التحذير -من أكبر أصدقاء إسرائيل في السنوات العشر الماضية ومورد تسليحها الوحيد- مدعاة لإثارة القلق البالغ لها.

وعلى ضوء هذا، قرر عميت القيام بزيارته السرية إلى واشنطن. فقد كان متأكدا أن مفتاح النصر في الحرب القادمة في يد الولايات المتحدة، وكان متأكدا كذلك أن أبا إيبان[4] قد عجز عن إقناع الرئيس جونسون بخطورة الموقف. وكان يعتقد -كما قال بعد ذلك- أن بقاء إسرائيل مرهون بنتائج محادثاته مع موظفي وكالة الاستخبارات المركزية.

((ما زال هناك بقية. تابعوا بقية المقالات))

المصدر: موسوعة الأمن والاستخبارات في العالم



[1] هي مدينة تقع في الولايات المتحدة في مقاطعة آيلاند، بولاية واشنطن (وهي غير واشنطن العاصمة)، وبها المقر الرئيسي للمخابرات الأمريكية.

[2] كان رئيسا لوزراء الكيان الصهيوني حينها.

[3] شارل ديجول (1890 -1970) جنرال ورجل سياسة فرنسي ولد في مدينة ليل الفرنسية، ألف كتبا كثيرة في مجالات الإستراتيجية والتصور السياسي والعسكري. قاد مقاومة ببلاده في الحرب العالمية الثانية وترأس حكومة فرنسا الحرة في لندن في 18 يناير. وفي سنة 1943 ترأس اللجنة الفرنسية للتحرير الوطني والتي أصبحت في يونيو/حزيران 1944 تسمى بالحكومة المؤقتة للجمهورية الفرنسية. وهو أول رئيس للجمهورية الفرنسية الخامسة.

[4] سياسي صهيوني من الجيل الأول للكيان الصهيوني

0/أضف تعليق