الأستاذ -2-
فضلا اقرأ الجزء الأول من هــنــا
وضع هتلر خطته المعروفة باسم (بارباروسا)، أو (ذو
اللحية الحمراء)، للانقضاض على السوفيت واحتلال أرضهم وتدمير الشيوعية في مهدها.
ويا ليته نجح!
طابع بريدي أطلقه السوفيت عرفانا بجميل ريتشارد سورج لهم |
لقد تقدم هتلر بجيوشه داخل الأراضي السوفيتية، حتى أصبح
على بعد خمسة عشر كيلومترا من موسكو..
ثم هبط الشتاء..
أعنف شتاء شاهده العالم..
هبطت درجة البرودة إلى سبعين تحت الصفر، وراحت أقدام
الجنود الألمان تتجمد في أحذيتهم والدماء تتجمد في عروقهم من شدة قلقهم، وهجمات
السوفيت تنقض عليهم من بين الثلوج، في اليل والنهار.
ولكن الشتاء لم يلبث أن شارف الانتهاء، واستعدت جيوش
هتلر للانقضاض مرة أحرى، في نفس الوقت الذي سرت فيه شائعة تقول إن اليابانيين
سيهاجمون السوفيت من الخلف في الوقت ذاته.
وانتاب السوفيت قلق بالغ..
فلو تعرضوا لهجوم مزدوج من الألمان واليابانيين، فسينسحق
ما تبقى م نجيشهم حتما بين المطرقة والسندان، في حين تستطيع هذا الجيش مواجهة واحد
فقط من الفريقين بالقوة الكافية لصده.
وهنا جاء دور (سورج)..
لقد التصق بوزير الحرب الياباني، وراح يناقش الموقف معه،
ويترجم له البرقيات الواردة من الجانب الألماني، حتى اصطحبه وزير الحرب إلى اجتماع
خاص مع بعض القادة الألمان..
وفي هذا الاجتماع حسم الجانبان الموقف، وأعلن وزير الحرب
الياباني أن اليابان لن تهاجم السوفيت أبدا.
ولم يحتمل (سورج).. فلم يكد يغادر الاجتماع، حتى هرع إلى
فيلته، وأبرق إلى السوفيت بجملة واحدة..
"لن يحارب اليابانيون".
وكان هذا أعظم ما يتمناه السوفيت، الذين اعتمدوا على
برقية (سورج)، وحشدوا جيشهم في مواجهة الجيش الألماني وحده، ونجحوا -بسبب هذا- في
صده ودحره وإجباره عل التراجع.
ويؤكد بعض الخبراء والدارسين أن هذه كانت بداية النهاية
للنازيين.
أما بالنسبة لـ(سورج)، فقد شعر بالزهو بعد أن فعل هذا،
وكثف نشاط شبكته أكثر وأكثر.
ولكن لكل شيء نهاية..
لقد التقط الألمان بالصدفة رسالة لاسلكية وجهها أحد
اليابانيين، من أفراد الشبكة، إلى السوفيت، وألقوا القبض على الياباني، الذي انهار
في سرعة وأدلى باعتراف تفصيلي.
وكانت مفاجأة مذهلة لليابانيين..
واستأجر اليابانيون راقصة شهيرة، وطلبوا منها توطيد
علاقتها بـ(سورج)، حتى يمكنهم -بوساطتها- الحصول على دليل لإدانته، إذ لم يكن من
السهل قط، حتى مع اعتراف الياباني، إلقاء القبض على نجم بارز كـ(سورج)، دون دليل
بالغ القوة.
وبوساطة الراقصة اليابانية عثر اليابانيون على الدليل،
الذي لم يكن سوى رسالة تحمل بعض المعلومات العسكرية البالغة الخطورة، لم يعدمها
(سورج) فور إرسالها كالمعتاد.
وسقط (الأستاذ)..
في أكتوبر 1941 ألقى اليابانيون القبض على (ريتشارد
سورج، وسط موجة ذهول عارمة أصابت اليابانيين والألمان، وتمت محاكمته مع هدد من
المسئولين من الجانبين، وكانت محاكمة عنيفة، انتهت بفصل وسجن عدد من المسئولين،
والحكم بإعدام (سورج).
وظل (سورج) في سجنه ثلاث سنوات، دون أن يفارقه ذلك الهدوء
الخرافي، ودون أن تفارقه ثقته في السوفيت، وفي أنهم لن يسمحوا بإعدامه أبدا.
ولكن هيهات!
لقد تخلى عنه السوفيت، واكتفوا بإعلان عظمة الدور الذي
قام به من أجلهم، على الرغم من جنسيته الألمانية، ثم لاذوا بالصمت تماما بعدها.
كان من المستحيل أن يتخذ السوفيت موقفا تجاه ألماني،
مهما كانت خدمات هذا الألماني لهم، والحرب بين السوفيت والألمان في ذروتها.
وفي عام 1944 أدرك اليابانيون أن السوفيت لن يفعلوا شيئا
من أجل (سورج)، وأدرك (سورج) نفسه هذا عندما التف حبل المشنقة حول عنقه. إلا أن
هذا لم يمنعه من أن يبتسم نفس الابتسامة الهادئة التي كانت آخر ما رآه من أعدموه.
وبعد عشرين عاما تقريبا، وفي عام 1965، أصدر السوفيت
طابعا تذكاريا يحمل صورة (سورج)، اعترافا بجميله وبخدماته لهم.
وهذا كل ما حصل عليه (سورج) من السوفيت..
طابع واحد يحمل صورته..
صورة "الأستاذ".
كتبه د/نبيل فاروق
إرسال تعليق