التنسيق الحاصل بين
الموساد والمخابرات الأمريكية في حرب يونيو/حزيران 1967
الحلقة الأخيرة
فضلا اقرأ المقال الأول والثاني أولا
كان الوقت بعد الظهر آنذاك، وكانت الجلسة المرهقة ما زالت معقودة منذ الساعة التاسعة صباحا. فقرر المجتمعون الاستراحة قليلا لتناول القهوة والشطائر.
وعندما استأنفوا المباحثات أحس مئير عميت بأن خبراء وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية يميلون للاتفاق معه، وكان له من معرفته المهنية ما أنبأه أن رؤيتهم للأمور على هذا النحو إنما تنطلق من تقييمهم لها في ضوء مصالح الولايات المتحدة الأميركية، ولم يكونوا ممن يعدلون عن رأيهم للحجج المتصلة بأمن إسرائيل.
غير أن رئيس الموساد كان عاجزا عن ضبط انفعالاته عندما وصل هيلمز فقال:
انظر، لسنا قادرين على احتمال الوضع بعد الآن، فإسرائيل بلد صغير، والموضوع هو
موضوع بقائنا، وأنا أحدثك الآن عن عائلتي وعن زوجتي وبناتي الثلاث، وعن عائلات
جميع من يرتدون البزات العسكرية من الرجال الآن.
ولم يكن هيلمز في حاجة إلى الإقناع.. ففي الوقت القصير الذي انقضي بين
وصوله إلى المقر العام وبين مقابلته لعميت، كان أحد معاونيه قد نقل إليه خلاصة
الموضوع، ووافق هيلمز على وجهة نظر زميل دراسته القديم.
وقال عميت: أريد منك مقابلة مكنمارا، وزير الدفاع الأميركي. وفي الساعة
السادسة من بعد ظهر ذلك اليوم دخل مئير عميت إلى مکتب روبرت مکنمارا. وللمرة الثالثة
في ذلك النهار، اضطر رئيس الموساد للدفاع عن وجهة نظره.. وبالرغم من عرضه للحقائق
في هدوء ظاهري، إلا أنه كان يعي أهمية الانطباع الذي سيتركه في نفس مكنمارا. وفي
بعض الأحيان لم يتمالك نفسه من البوح بما يختلج في نفسه من توتر.
وعندما أوشك مئير أن يفرغ من دفاعه، سرت رعدة الخوف في جسده، فقد بقي
مكنمارا جالسا طوال الوقت دون أن ينبس ببنت شفة، ولم تصدر عنه أية إشارة، ولو بتحريك
حاجبيه، تدل على أنه تأثر أو اقتنع بأقوال زائره.
وفي تلك اللحظة، فتح أحد المساعدين الباب، وسلم ميکنمارا برقية عاجلة، ففتحها
وقرأها بعناية، ثم نظر إلى مئير عميت وقال بهدوء: لقد تم تعيين موشيه دايان وزيرا
للدفاع في إسرائيل.
وفهم رئيس الموساد على الفور ما يترتب على هذا القرار من نتائج. فقد كان
دايان نصيرا مطلقا لفكرة الهجوم، وإدخاله في مجلس الوزراء يعني أنه سيلقي بكل ثقله
وراء ذلك العمل، وهذا يعني أن "أسابيع التردد" في إسرائيل أذنت بالانتهاء.
وما كادت تلك الخواطر تمر كالبرق في ذهن عميت حتى قال مكنمارا: إنني أعرف
دايان حق المعرفة. فقد التقيت به عندما كان في واشنطن، وأنا مسرور لتعيينه في
منصبه، أرجو أن تبلغه تمنياتي له بالنجاح.
كانت الكلمات التي تفوه بها مكنمارا تتصف بالبراعة والمواربة، ولكن عميت
أدرك فحواها تماما: إن الولايات المتحدة ستقف إلى جانب إسرائيل إذا قامت بتوجيه
ضربة مسبقة إلى سوريا ومصر.
وتوجه رئيس الموساد على عجل من البنتاغون إلى السفارة الإسرائيلية، حيث كتب
مع يوسف جيفا -ملحق إسرائيل العسكري- تقريرا طويلا عن نشاطات يومه ذاك، ثم إرسل إلى
تل أبيب برقية مشفرة، هذا نصها:
"إن الأميركيين يعتبروننا دولة ذات سيادة. ويعتقدون أن لنا الحق في
اتخاذ أي قرار نراه ضروريا لبقائنا، ولن يوجهوا إلينا اللوم إذا قمنا بالهجوم
أولا، وهم يتفهمون دوافعنا، وأنا على ثقة من أنهم سيقومون بردع إيجابي للروس إذا
فكروا في التدخل المباشرة".
بعدها كان عميت متلهفا للعودة إلى إسرائيل. فانطلق إلى المطار، ودس نفسه في
إحدى طائرات شحن (العال)، وكانت تحمل شحنة من أقنعة الغاز التي طلبها القادة
العسكريون بإلحاح، خشية أن يستخدم المصريون حرب الغازات التي يزودهم الروس
بأدواتها. وكان الراكب الوحيد في الطائرة هو آبي هرامان، سفير إسرائيل في واشنطن.
وصباح الخامس من يونيو 1967، كان العدوان الصهيوني على الدول العربية
مفاجئا ومباغتا، وقد استطاع الإسرائيليون فعلا تحديد أهدافهم بدقة متناهية ووجهوا إليها
ضربتهم المميتة، خاصة وأن كثيرا من المعلومات التي ضمنت نجاح هذه الهجمات الخاطفة،
حصل عليها الإسرائيليون من قبل جاسوسهم الكبير في مصر (ولفجانج لوتز) مروض الخيول،
الذي كان يقبع يومذاك في سجن ليمان طره بعد إلقاء القبض عليه من قبل المخابرات
المصرية، حيث أطلق سراحه عام 1968، بعد مبادلته بأسرى مصريين اعتقلتهم إسرائيل في
حرب يونيو. ولولا الدعم الأميركي الدائم والمتواصل، لما استطاعت إسرائيل تحقيق
نجاحاتها في هذه الحرب الخاطفة. فهي تُعتبر إحدى ولايات أميركا خارج الحدود، والأكثر
أهمية بينها جميعها، في الداخل والخارج.
تمت
المصدر: موسوعة الامن والاستخبارات في العالم
إرسال تعليق