قصة أهل الكهف الحقيقية (الجزء 4)

 ومع الجزء الرابع من قصة أهل الكهف الحقيقية وهو بحث مقدم من أ.د| محمد حمزة الحداد




. الأدلة الفلكية والجيولوجية والآثارية توافق النص القرآنى وتدحض الرواية السريانية (كهف الرقيم بالأردن هو كهف الفتية وليس كهف أفسوس)(الجزء الرابع)

.

من خلال إستعراضنا لقصة أهل الكهف فى القرآن الكريم قلنا أن لها مفردات ثلاثة؛ أولهم الفتية الذين يعبدون الله ولا يشركون به شيئاً، ثم جماعتان أو حزبان الأول ما قصدته الآية "لن ندعو من دونه إلها لقد قلنا إذا شططاً" وهو وفقاً لمعتقد اليهود (يهوا)، ثم الجماعة الاخرى "هؤلاء قومنا إتخذوا من دونه آلهه" وهم أتباع الثالوث وفقا للمعتقد المسيحي؛؛

لكن ما هى المدة أو الفترة الزمنية التى عاشها أهل الكهف فى المصادر؟

ذكرنا أن الرواية السريانية والقبطية ربطت قصة أهل الكهف بالفترة بين 249 : 450م وبدايتها مع فترة حكم الإمبراطور ديكيوس الذى حكم من 249 : 251م وقتل على يد القوط وهو أول من أصدر مرسوم إضطهاد عام للمسيحيين، ونهايتها 450م الإمبراطور ثيودوسيوس الثانى 408 : 450م، لذلك ذكر العلماء والمؤرخون طبقاً للروايات السريانية والقبطية لقصة فتية الكهف عدة روايات تختلف فى الفترة الزمنية فمنها 147 ، 149 ، 174 ، 187 ، 188 سنة وغير ذلك الكثير من الترجيحات، وعندما نزل القرآن حاول البعض ربط أحداث القصة فى ضوء 309 سنة التى ذكرها القرآن الكريم فمنهم من قال أن الفتية دخلوا إلى الكهف وإختفوا سنة 132م وبالتالى يكون بعثهم من رقدتهم سنة 441م لكى تتفق مع العام 38 من فترة حكم ثيودوسيوس التى حدث فيها الجدل الكبير حول القيامة من الأموات هل بالروح فقط أم بالجسد فقط أم بهما معاً.

لكن فات على هؤلاء أنهم مكثوا 300 سنة لأن العدد 309 وفقاً للتقويم القمر لليهود أما 300 فوفقاً للتقويم الشمسي للآسينيين، فلو هم 300 سنة وأضفنا إليها 132 = 432 وليس 441. هذه الآراء تبناها غالبية العلماء والمؤرخين العرب والأجانب أو كل الذين إعتمدوا منهم على الروايات السريانية والقبطية والشعبية وعلى رأسهم جيبون فى الجزء الثانى من كتابه "إضمحلال الإمبراطورية الرومانية وسقوطها"؛ أيضاً لويس ماسينيون سواء فى بحثه فى المجلة الإسلامية "نيام أفسوس السبعة" أو كتابه بالفرنسية سنة 1962م "النائمون السبعة"؛ ويل ديورانت فى كتابه "قصة الحضارة"؛ فنسنك وهو من كبار المستشرقين وصاحب "المعجم المفهرس لألفاظ الحديث النبوى الشريف فى ضوء الكتب الستة"؛ ثم المستشرق الإيطالى إغناطيوس جويدى، طبعا كل تلك الآراء لا تتفق مع الفترة الحقيقية التى قضاها الفتية فى الكهف التى وردت بالقرآن الكريم.

كهف أفسوس (قصة نيام أفسوس السبعة بالمصادر السريانية) ليس لها علاقة بقصة أهل الكهف بالقرآن.

نخرج من ذلك بأنه ليس هناك علاقة بين (النائمون السبعة بأفسوس) بفتية أهل الكهف الوارد ذكرها فى القرآن؛ ولو كانت قصة كهف أفسوس حقيقية وصحيحة كما يعتقد فيها المسيحيون والتقليد الكنسى والأعياد الطقسية المسيحية المرتبطة بأهل الكهف كقديسين شهداء فليس لها علاقة بالقصة الواردة فى القرآن الكريم، خاصةً وأنه لابد أن نفصل بين أهل الكهف وبين الرومان والإمبرطورية الرومانية والإمبراطور ثيودسيوس وبين مرحلة الإضطهاد الرومانى الوثنى للمسيحيين الأوائل، وليس أدل على أن قصة نيام أفسوس السبعة لا علاقة لها بالقصة الواردة فى القرآن أنه بحساب الفترة من 249 : 450 = 201 سنة! وبالتالى فقصة (كهف أفسوس - النائمون السبعة - نيام أفسوس السبعة) التى وردت بالروايات السريانية والقبطية لا علاقة لها بقصة أهل الكهف الوارد ذكرها بالقرآن الكريم لا سيما وآن الأدلة الأثرية تثبت ذلك (أنظر صور لكهف أفسوس بفيديو الحلقة)

فكهف أفسوس ليس به الفجوات الوارد ذكرها بالقرأن؛ وحركة مسار الشمس لا تنطبق عليه؛ وليس به قبور، فإذا كان كهف أفسوس لا علاقة له بقصة أهل الكهف فأين كهف فتية الكهف الوارد ذكره بالقرآن؟؟ الكهف هو كهف الرجيم الوارده بالقرآن (الرقيم) بوادى أو جبل الرقيم على بعد 13كم جنوب شرق عمان عاصمة المملكة الأردنية وهى المنطقة المعروفة حالياً بـ (سحاب)، وينطق بدو المنطقة حرف القاف (ج) فيسمونها (الرجيم) وحدث ذلك فى فترة متأخرة من التاريخ الإسلامى، فما هو الدليل على ذلك؟

الأدلة التاريخية التى تثبت نسبه كهف الرجيم بالأردن للقصة الواردة بالقرآن الكريم:

1- ما ورد فى كتب المفسرين و المؤرخين عن الصحابة الاوائل مثل عبد الله بن عباس وعبادة بن الصامت ومعاوية بن أبى سفيان وأشاروا  إلى أن كهف الرقيم بمنطقة (أيلة -  العقبة) على طريق القوافل بين الشام والحجاز.

2-فى العصر العباسى الثانى أرسل الخليفة المعتصم بالله (218 - 227هـ) مؤسس مدينة سامراء أحد أبناء بنى شاكر إلى إمبراطور الروم كى يتيقن من حقيقة كهف أفسوس، أيضاً إبنه الخليفة الواثق (227 - 232هـ) أرسل الفلكى المشهور محمد بن موسى الخوارزمى لبلاد الروم كى يتيقن هو الآخر من قصة كهف أفسوس.

3- الأمير أسامة بن منقذ أمير قلعة شيزر وأحد قادة السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب وصاحب كتاب (الإعتبار) الذى رصد فيه العلاقات بين مسلمى الشام والصليبيين المحتلين زمن الحروب الصليبية؛ أشار أنه صلى فى مسجد كهف الرقيم ولكنه لم ينظر فى المضيق الرأسى بطول 4م وعرضه 40 : 60 سم الذى كان يدخل الضوء والهواء للفتية أثناء نومهم فى الكهف "ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال وهم فى فجوة منه ..." وأطلق عليه أسامه بن منقذ (المضيق) وفوهه هذا المضيق موجوده فى الاعلى بأرضية المسجد (أنظر الصور المعروضة بفيديو الحلقة).

الأدلة الجيولوجية:

بعض العلماء درسوا تربة المنطقة وعناصرها والأملاح والآشعة بها؛ وجدوا أن تربة منطقة الرقيم تحتوى على عناصر وأملاح تنتج آشعة ألفا وبيتا وجاما تحافط على الأجسام واللحوم والنباتات، وبالتالى فوجود الكهف فى هذه البيئة الجيولوجية ساعد مع تجدد الهواء والضوء الخافت الذى يدخل للكهف على مدار السنة وبالتالى على بقاء أجساد الفتية وهى آية من آيات الله تعالى، فواقع البيئة ساعد على حدوث تلك الآية وفى نفس الوقت يؤكد صدقها.

الأدلة الفلكية:

مسار الشمس وطريقه دخولها وخروجها من الكهف والتى وضحها القرآن الكريم لا تنطبق على كهف أفسوس لكنها منطبقة تماماً على كهف الرقيم (الرجيم) بجنوب شرق عمان - الأردن، وقال عنها الله تعالى "وترى الشمس إذا طلعت تزاور عن كهفهم ذات اليمين وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال ..". درس العلماء هذه الظاهرة وعملوا معادلات لحركة الشمس ودرجة زوالها عمودية ورأسية فوجدوا أن الشمس فى الصيف لا تدخل عتبة الكهف واقصى ما تصل إليه فيه هى العتب، أما فى فصل الشتاء والإعتدالين (الربيع والخريف) عند شروق الشمس تميل إلى اليمين ولا يدخل منها داخل الكهف إلا بقعة ضوئية بقدر ضئيل لمجرد الإنارة وتحقيق قدر من الدفئ مع بداية رحلة الشمس فى الغروب عند منتصف النهار، وذلك يؤكد صدق النص القرآنى المعجزة والتى تنطبق تماماً على كهف الرقيم.

الأدلة الآثارية (راجع فيديو الحلقة صور توضيحية لكل جزء بالكهف):

سنة 1964م تم إكتشاف (سواء كان من قبل محمد تيسير ظبيان أو رفيق الدجانى أو الإثنين معاً) كهف الرقيم (الرجيب) الموجود بمنطقة سحاب الآن على مقربه من العاصمة الأردنية عمان كما ذكرنا، والوصف المعمارى للكهف كما يتضح فى الصور بفيديو الحلقة أنه يتكون من ساحة وسطى - وذلك يثبت صدق النص القرآنى وبلاغته - حيث عبر عنها القرآن بكلمة (الوصيد) أى المساحة الوسطي المتسعة (الفناء) القريب من العتبة والتى كان ينام فيها الكلب (قنطير) كما ورد فى الروايات، وهى تسميه لا أصل لها "وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد" أى أن الكلب كان ينام فى هذه المساحة فارداً ذراعيه قرب مدخل الكهف فإذا إقترب أى شخص من باب الكهف ووجد الكلب فى هذا الموضع فسوف يهرب خوفاً منه فهو بمثابه حارس الكهف.

فالكهف يتكون من الوصيد (الساحة الوسطى) ثم ثلاثة فجوات؛ فجوتين شرقية وغربية على يمين ويسار الداخل من باب الكهف، والثالثة شمالية على نفس محور المدخل وهى أكبر الفجوات إتساعاً وأكثرها إرتفاعاً، الفجوة اليمنى بها 4 توابيت لدفن أربعة أشخاص؛ والفجوة اليسرى بها 3 توابيت وبالتالى فعددهم سبعة، وإكتشف العلماء بالكهف 7 هياكل للمدفونين فى الفجوتين فضلاً عن العثور على جمجمة كلب الذى كان بالوصيد، فى فك هذه الجمجمة ناب و 4 أضراس وموجودة الآن فى دولاب زجاجى على يسار فى الواجهة الشمالية على محور باب الدخول ويضم أيضاً بعض القطع الأخرى المكتشفة بالكهف.

إلى اليمين من الفجوة الشمالية هناك شباك فى نهايته نفق وهو المضيق كما ورد فى كتاب الإعتبار لإسامة بن منقذ، وهو ملقف الهواء الذى ذكرناه ويرتفع عمودياً 4 م ومكشوف من أعلى وفوهته فى أرضية المسجد الذى بنى فوق الكهف، أما خارج الكهف نجد تطابق كبير مع ما ورد فى القرآن الكريم فهناك مسجد أمام باب الكهف إلى الجنوب ومسجد آخر فوق مدخل الكهف؛ وكل من المسجدين له محراب نصف دائرى مجوف الجزء السفلى من حنيته موجودة حتى الآن وتبرز من الخارج، وإلى يمين محراب المسجد الذى يتقدم المدخل منبر حجرى من 3 درجات يذكرنا بمنابر العمارة الإسلامية بالهند وكلها متأثرة بمنبر الرسول صلى الله عليه وسلم الذى كان يتكون من 3 درجات.

أيضاً هناك 7 أعمدة حجرية، وزخارف هيلينستية وبيزنطية ترجع للقرن الخامس الميلادى مثل الصليب اليونانى والحنايا والأفاريز التى تميز الطرازين الهيلينستى والبيزنطى على يمين ويسار المدخل؛ أيضاً زخارف إسلامية منها الأشرطة المتداخلة والنجمة الثمانية، هذه الزخارف موجودة فى الزخارف الإسلامية المبكرة فى العمارة الأموية ولا سيما قصور بادية الشام بالاردن (قصر المشتى - الطوبة) وغيرها من القصور الاموية بالشام؛ وبالتالى فهي إستمرار للتأثيرات الهيلينستية والبيزنطية فى العمارة الإسلامية المبكرة، يضاف إلى ذلك وجود نقوش كتابية بالخط الكوفى البسيط تبين التجديدات التى تمت لهذا الكهف والمسجدين وعليها تواريخ 117هـ أى عهد هشام بن عبد الملك ( العصر الآموي) و 377هـ أى العصر العباسى الثالث، 901هـ أى  السنة الأخيرة من عهد السلطان الأشرف قايتباى أو بداية عهد  إبنه الناصر محمد؛؛ 915هـ أى عهد السلطان قانصوة الغورى.

الخلاصة إذاً أن الادلة التاريخية والجيولوجية والفلكية والأثرية آثبتت أن كهف الرقيم (الرجيب) بالعاصمة الأردينة عمان هو كهف فتية الكهف الوارد ذكره بالقرآن الكريم.

0/أضف تعليق