قصة أهل الكهف الحقيقية (الجزء 3)

 والان مع الجزء الثالث من قصة أهل الكهف وهوبحث للمؤرخ أ.د/ محمد حمزة الحداد




تحليل آيات قصة أهل الكهف بالقرآن الكريم( الجزء الثالث)

أما عن تفنيد آيات القصة فى القرآن، فسورة الكهف رقم 18 فى القرآن؛ عدد آياتها 110 آيه؛ وعدد آيات قصة أصحاب الكهف 18 آيه، وسوف نفكك تلك الآيات لربطها بالأحداث التاريخية ونستبط منها الأدلة التاريخية فى ضوء مخطوطات البحر الميت:

1- إبتداء من الآية 19 :

"قال قائل منهم" أى أن أول من تكلم شخص واحد "كم لبثتم"، أجاب عليه جماعة "قالوا لبثنا يوماً أو بعض يوم"، ثم تكمل الآية بكلام جماعة أخرى "قالوا ربكم أعلم بما لبثيم فأبعثوا أحدكم بورقكم هذه إلى المدينة" أى أن كلمة قالوا الأولى مرتبطة بجماعة من الفتية وقالوا الثانية مرتبطة بجماعة أخرى منهم، أما الدلالة التاريخية من ذلك هى كلمة (ورقكم) والتى لم يلتفت إليها الكثير وتعنى (الدراهم من الفضة) معنى ذلك أن الكهف موجود فى بيئة إنتشرت فيها النقود التى تسك من الفضة؛ ونحن نعلم أن الدولة البيزنطية كانت عملتها هى الذهب أما القوى العظمى الأخرى المعاصرة لها وهى الدولة الفارسية الساسانية كانت عملتها الدراهم الفضية.

وبالتالى فالممالك العربية التى قامت بدور الدول الحاجزة بين الإمبراطوريتين؛ كانت التابعة منها للفرس تتعامل بالفضة بينما التابعة منها للدولة البيزنطية تتعامل بالذهب، فهذه إشارة تاريخية هامة جداً إلى نوع العملة التى كانت سائدة فى زمن هروب وإختفاء فتية الكهف بدينهم.

2- الآية 20 "إنهم إن يظهروا عليكم يرجموكم أو يعيدوكم فى ملتهم ولن تفلحوا إذاً أبدا"

أى أن مبعوثهم لشراء الطعام إن إكتشف أمره فهناك إحتمالان إما الرجم حتى الموت وإما يعيدوهم إلى ملتهم بالقوة (سواء كانت يهوي أو الثالوث)، فهل الآية 20 تحوى أى لفظة أو تفسير له دلالة تاريخية؟ نعم هناك لفظة هامة لم يلتفت إليها الكثير من المفسرين والمؤرخين وهى كلمة "يرجموكم" فالرجم لا علاقة له بالرومان أو بالدولة البيزنطية؛ فعقوبة الرجم لم تكن أبداً من فلسفة الرومان، لكن الرجم كان عقيدة وعادة عند اليهود لمن يخالفهم فى المعتقد ولمن يرتكب الزنا. وبالتالى فكلمة بسيطة تشير إلى دلالة تاريخية هامة وتبعد إحتمالية علاقة القصة بالدولة البيزنطية أو بـ (نيام أفسوس السبعة - النائمون السبعة فى أفسوس) والتى ربطوها بالرومان وبالوثنية الرومانية، أو بإفتراضية أن هؤلاء الفتية كانوا مسيحيين فروا بدينهم من الوثنية الرومانية.

3- الآية 21: "وكذلك أَعثرنا عليهم ليعلموا أَن وعد اللَّه حق وأَن الساعة لا ريب فيها إِذ يتنازعون بينهم أَمرهم فقالوا ابنوا عليهم بنياناً ربهم أعلم بهم قال الذين غلبوا على أمرهم لنتخذن عليهم مسجداً"

بعد ذلك جاءت الإشارة إلى عثور الناس عليهم، فمن الطبيعى أن الفتى الذى ذهب لشراء الطعام لهم رآه بعض من الناس بملابس وهيئة تختلف تماماً عن طراز وطبيعة عصرهم فضلاً عن العملة التى يحملها التى إنتهى زمن تداولها بالطبع فقد مضى عليها أكثر من 300 سنة، فظن البعض أنه عثر على كنز فدعا الناس وحاكم المدينة - طبقاً للرواية السريانية - وذهبوا للعثور عليهم. فكلمة "أعثرنا عليهم" أى أن الناس قد عثروا عليهم وعرفتهم.

وبعد أن مات الفتية الموت الطبيعى وإنتهى أجلهم وأدوا الدور الذى جعله الله لهم، إختلف الناس فيما يصنعون بهم "إذ يتنازعون بينهم أمرهم" وتشير الآية هنا إلى وجود حزبين من الناس يتنازعون فيما يفعلونه بهؤلاء الفتية بعد موتهم، فال الحزب أو الجماعة الأولى "إبنوا عليهم بنياناً ربهم أعلم بهم" فكلمة ربهم إشارة تعطى إحتمالية كون ديانه ورب هذه الجماعة غير ديانه هؤلاء الفتية، وهناك رأى يقول أن هذه الجماعة من اليهود ورأى آخر يعتبرهم من المسيحيين، نكمل الآية "قال الذين غلبوا على أمرهم لنتخذن عليهم مسجداً" وتشير إلى حزب أو جماعة أخرى غلبت على الحزب الأول ربما بالقوة أو السلطة أو العدد.

أما كلمة "المسجد" فيجب الوقوف عندها أيضاً، فبعض العلماء قال بأن هذه الفرقة التى أرادت أن تبنى عليهم مسجداً من اليهود على إعتبار أن اليهود يسجدون فى عبادتهم، أما البعض الآخر فيقول بأنهم مسيحيين على إعتبار أن الكلمة تعنى اى مكان للعبادة فهى كنيسة، لكن ثبت من خلال النقوش العربية الكثيرة التى ترجع إلى ما قبل الإسلام أن كلمة "مسجد" هى كلمة عربية أصيلة ظهرت فى كثير من النقوش العربية قبل الإسلام سواء النقوش الجنوبية المكتوبة بالخط المسند أو النقوش النبطية وهى مسرح الأحداث فى قصة أهل الكهف، مثلاً النقش رقم (44) من مدونة النقوش النبطية لـ د/سليمان بن عبد الرحمن الذييب ودرسه العديد من العلماء الأجانب قبل د/سليمان أمثال جوسين وميليك وستاركى وداوتى وغيرهم.

إذاً فكلمة "مسجد" الواردة فى الآية 21 من سورة الكهف إنما هى دلالة  على أن قصة أهل الكهف قد حدثت فى المحيط العربى الموجود فى بلاد الشام والذى إنتشرت فيه كلمة المسجد بمعناها الدال على العبادة كما ورد فى النقوش النبطية والعربية قبل الإسلام، أيضاً ورد فى أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم عن اليهود والنصارى أنهم كانوا يتخذون قبور أنبياءهم "مساجد".

4- الآية رقم 22 وتتحدث عن عدد الفتية "سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم ويقولون خمسة سادسهم كلبهم رجماً بالغيب ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم قل ربى أعلم بعدتهم ما يعلمهم إلا قليل فلا تمار فيهم إلا مراءً ظاهراً ولا تستفت فيهم منهم أحداً"

وفى هذه الآية أيضاً بعض الكلمات التى تحمل دلالات تاريخية هامة للغاية، وهناك سؤال هام جداً لابد من طرحه: لماذا ذُكر عدد الفتية فى الآية بالإفراد مع  أن الله سبحانه و تعالى نفاها فى نفس الآية وقال "رجماً بالغيب" أى أنه غير معلوم عددهم؟

لدينا فى الآية الأعداد (ثلاثة رابعهم كلبهم) أو (خسمة سادسهم كلبهم) ثم ضعف الله تعالى العددين أو قلل من قيمتهم بعدها مباشره بقوله تعالى "رجماً بالغيب" أى بالظن أو بدون دليل مما يوحى بأنها أعداد غير حقيقية أو بمعنى أدق ليس هناك أى دليل على صحة القول الشائع بتلك  الأعداد، أما العدد 7 فألحقه الله تعالى بواو العطف "سبعة وثامنهم كلبهم" وهى بالتالى إقرار وتأكيد بأن عددهم 7، ولذلك فالرواية السريانية تذكر أن عدد الفتية 7 عكس الرواية القبطية التى تختلف عنها كثيراً فرجحت أرقام كثيرة (3 - 5 - 6 - 7 - 13) أما القرآن فقد ذكر أرقام ثلاثة فقط (3 - 5 - 7) فضلاً انه يفهم من الآية القرآنية أنها تنفى العددين 3 ، 5 وتقر بالعدد 7. أما الحفائر الأثرية فى الأردن فقد إكتشفت 7 هياكل عظمية وجمجة الكلب وفكه (نابه) وأربعة أضراس من أسنانه.

بعد ذلك الآيات 23 ، 24 هى إعلام للرسول صلى الله عليه وسلم عن سبب تأخر الوحى عنه 15 يوماً أو بمثابة تنبية وعتاب من الله تعالى له على عدم قوله "إن شاء الله"، تقول الآية "ولا تقولن لشئ إنى فاعل ذلك غداً إلا أن يشاء الله وأذكر ربك إذا نسيت وقل عسى أن يهدينى ربى لأقرب من هذا رشداً" بعد ذلك الآيتان 25 ، 26 تتحدثان عن المدة التى قضاها الفتية فى الكهف.

5- الآية 25 "ولبثوا فى كهفهم ثلاث مائة سنين وإزدادوا تسعا"

ذكر المفسرون أن هذا تقويم ميلادى وتقويم هجرى، وهذا خطأ لأن التقويم الهجرى لم يبدأ إستخدامه إلا سنة 17هـ فى عهد الخليفة الراشدى الثانى عمر بن الخطاب، لكن فى الآية إشارة هامة لها دلالة تاريخية مهمة جداً وهى أن الآسينيين وهم الطائفة الثالثة من اليهود قبل ظهور المسيح عليه السلام وتفرع منهم طائفة الأبيونيين أى الزهاد أو الفقراء، وكان لديهم نظام عرفناه من لفائفهم المكتشفة فى البحر الميت والمعروفة بإسم الكتابات الآسينية أو لفائف خربة قمران؛ هذا النظام خلاصته فى المؤاخاة بين كل عضوين والملكية الجماعية فى المال والإنتاج والمسكن والخدمات، وكان لهم مرشدين أو أمراء يسمى الواحد منهم فى العبرية (مباقر) وكانوا يؤمنون بالله الواحد الأحد لا شريك له وبالبعث والحساب والرسل والملائكة، وبالنسبة لتقويمهم فقد كانوا يتبعون التقويم الشمسى بدل التقويم القمرى الذى يعمل به اليهود وكهنة المعبد كما يستدل من اللفائف المذكورة (أنظر الجزء الأخير من فيديو الحلقة).

ولعل وجود تقويمين فى قصة أهل الكهف أولهما القمرى الذى يتبعه اليهود والآخر شمسى وهو الذى يتبعه الأسينييون والطوائف التى إنبثقت عنهم؛ يفسر لنا لماذا أضاف الله سبحانه وتعالى 9 سنوات بعد 300 سنة "ثلاث مائة سنين وإزدادوا تسعا" وهذا يعنى أن الفرق بين التقويمين الشمسى والقمرى 9 سنوات وليس المقصود الفرق بين التقويمين الميلادى والهجرى كما ذهب بعض المفسرين، وهذا وجه من وجوه الإعجاز فى القرآن الكريم فسؤال اليهود بواسطة مشركى قريش عن فتية الدهر إنما جاء مشتملاً على أسرار يهودية صرفة لا يعرفها غيرهم أو بالأصح لم يكن أحداً يعرفها حتى جرى الكشف عن (لفائف قمران) ومع ذلك تكتمل الآية بقوله تعالى "قل الله أعلم بما لبثوا له غيب السموت والأرض أبصر به وأسمع مالهم من دونه من ولى  ولا يشرك فى حكمه أحداً"

هذا إذاً البيان المفصل وتفسير الآيات التى تتحدث عن قصة أهل الكهف بالقرآن الكريم مع إستنباط الدلالات التاريخية الهامة منها محاولة لتحديد مكان وزمان قصه فتية الكهف، أخيراً بقى أن نشير إلى الإعجاز العددى المرتبط بالإعجاز البيانى فى القصة، أولاً: بإحصاء عدد كلمات آيات قصة أهل الكهف من بداية كلمة (لبثوا) إلى أن تنتهى بكلمة (لبثوا أيضاً) تبلغ 309 كلمة، والعجيب فى نفس الوقت أن عبارة (ثلاث مائة) فى القصة جاء رقمها 300، ثانياً: الأعداد (3 ، 4 ، 5 ، 6 ، 7 ، 😎 الواردة فى الآية يبلغ مجموعها 33 وعدد كلمات الآية 33 أى أن مجموع الأرقام الورادة فى الآية يساوى عدد كلماتها، فهل هناك إعجاز أكبر من هذا؟

خلاصة الجزء الأول  من  الفيديو الأول) من الحلقة السابعة: وقد تم تفريغه ونشره كبوست آو منشور في ثلاثة آجزاء

 وخلاصة الحلقة أنه دائما ما نكرر ونطالب بضرورة تحرير تفسير القصص القرآنى من سطوة الإسرائيليات وتشكيل لجان علمية على أعلى مستوى لا تقتصر على أهل اللغة والفقة والتفسير؛ بل يجب أن تضم أساتذة فى علوم التاريخ والجغرافيا والتاريخ والعلوم التطبيقية المختلفة حتى يخرج تفسير القرآن مناسب لكل زمان ومكان ويحرر من الإسرائيليات التى إنتهى دورها، حيث لجأ المفسرون والمؤرخون الأوائل لروايات أهل الكتاب لقلة ما بين أيديهم من المعلومات والمصادر وعملاً بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم "إذا حدثكم أَهل الْكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم ..." أما بخصوص أهل الكهف فلم يجد المفسرون سوى روايات أهل الكتاب المستمدة من الروايات السرياينة "نيام أفسوس السبعة".

نفس الشئ بالنسبة لقصة ذى القرنين حيث ربطه المفسرون إعتماداً على أهل الكتاب بالإسكندر الأكبر؛ مع أنه لا توجد أدنى علاقة بينهما فالإسكندر الأكبر ( المتوفى 323ق م) الفاتح الكبير الذى قضى على الدولة الفارسية الآخمينية عام 332ق م وأسس الإمبراطورية اليونانية التى  عرفت بعد إمتزاجها بالشرق بالهيلينستية، حتى أن التصوير الإسلامى أو المنمنمات الإسلامية تناولت هذه القصص سواء أهل الكهف أو ذى القرنين أو حتى قصة سيدنا يوسف وزليخة بما حوته من إسرائيليات، ولدينارسالة ماجستير د/محمود مرسى  بكلية الآثار جامعة القاهرة  عن قصة يوسف وزليخة فى التصوير الإسلامى بما فيها من إسرائيليات؛؛ وكذلك المسلسل الايراني الشهير يوسف الصديق وفيلم المهاجر ليوسف شاهين؛؛؛

والى اللقاء في الحلقة القادمة 

0/أضف تعليق