شخصيات قصة أهل الكهف، زمانهم وأسماءهم (الجزء الخامس و الأخير)
بما أننا قد أثبتنا عدم وجود علاقة بين هؤلاء الفتية (القصة
الوردة بالقرآن الكريم) وبين القصة الواردة بالمصادر السريانية والقبطية والمتعلقة
بكهف أفسوس أو نيام أفسوس السبعة؛ فضلاً عن الروايات الشعبية التى تناقلها الكثير من
المستشرقين وتفسيرات الإسرائيليات بالقصص القرآنى ثم العلماء والمؤرخين المحدثين، كما
أثبتنا أيضاً أن أهل الكهف ليس لهم علاقة بالإضطهاد الرومانى للمسيحيين خاصةً زمن الإمبراطور
ديكيوس، ثم اثبتنا كذلك أن هناك حزبين أو جماعتين أحدهما مسيحية والأخرى يهودية، فمن
هم أهل الكهف إذاً؟ ومن أى جماعة هم؟
هنا لابد من الرجوع إلى مخطوطات البحر الميت (مخطوطات قمران)
والتى تثبت أن هؤلاء الفتية ينسبون إلى طائفة من الطوائف اليهودية الثلاث التى كانت
موجودة ببلاد الشام قبل ظهور المسيح عليه السلام، وهم طائفتين معروفتين (الصدوقيين
- الفريسيين) الأولى منهم كانت لا تؤمن بالبعث والحساب والثانية كانت تؤمن بالبعث والحساب
ولكنهم إنحرفوا عن الناموس وهى الطائفة التى كانت مسيطرة على الهيكل، أما الطائفة الثالثة
لم يكن لها ذكر ولم يعرف عنها أحد شيئ قبل ظهور مخطوطات البحر الميت وهى طائفة الآسينيين
آوالآسيين؛ ووردت الإشارة إليها فى بعض المصادر القديمة مثل فيلو السكندرى وبيلينى
الأكبر ويوسيفوس اليهودى، ويقال أن بعض هذه الطائفة آمن بالمسيحية التى وردت فى التوراه
قبل ظهور الثالوث والتثليث وكانوا يؤمنون أن المسيح عليه السلام بشراً رسولاً والتى
بشر بها التوراه كما ورد فى الوثائق والعديد من الدراسات.
كان لهذه الطائفة عدة أنظمة:
- المؤاخاة بين كل عضوين من أعضاء الطائفة.
- نظام مشترك للطائفة كلها سواء فى المال أو المسكن أو الخدمات.
الذى يفسر أو يثبت أن فتية الكهف من هذة الجماعة أو أحد الطوائف
التى تفرعت عنهم ولاسيما طائفة الأبيونيين (أى الزهاد أو الفقراء) هى الأعداد الفردية
المذكورة بالآية الكريمة، فبنظام المؤاخاة المذكور كل إثنين من هذه الجماعة لهم رئيس
فيكون عددهم 3 ثم رئيس الجماعة كلها هو السابع، وهذه من أسرار الديانة والطوائف اليهودية
لم يكن يعرف عنها شئ كأسرار يهودية قبل ظهور الكتابات الآسينية بمخطوطات البحر الميت،
وهذا يفسر رغبة اليهود إحراج الرسول صلى الله عليه وسلم بأخبار فتية الكهف لأنهم يرون
أنفسهم أعلم من غيرهم بتلك الأسرار، لكن الأدلة الأثرية التى أخرجتها لنا مخطوطات قمران
أيدت صدق النص القرآنى "نحن نقص عليك نبأهم بالحق" فى تناول طوائف اليهود
للأعداد الفردية، فعندما تقول الآية "قال" فهو رئيسهم و"قالوا"
فهى إحدى الجماعتين، يقال أيضاً أن هذه الطائفة يتفرع منها طائفة أخرى بإسم (النذريين
أو الناصريين) ويقال أن منهم جاءت تسمية النصارى فيما بعد.
أما وثائق البحر الميت فتنص على أن المصطلح الذى كان يطلق
على المسيحيين الاوائل بفلسطين هو "النصارى" وهو مصداقأ لما ورد بالقرآن
الكريم "من أنصارى إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله ..." وورد ذكرهم
أيضاً عند المؤرخ إيبيفانيوس بأن المسيحيين الأوائل كان يطلق عليهم النصارى، ذلك يقودنا
إلى حكاية مهمة جداً وهى أن بنو النضير من اليهود الذين كانوا بالمدينة النبوية واللغة
العبرية لاتحتوى على حرف (ض) بل هو موجود بالعربية فقط ولذلك فهي تعرف بلغة الضاد فمن
أين جاءت تسمية تلك القبيلة اليهودية ببنى النضير؟
ثبت بعد إكتشاف مخطوطات البحر الميت والكتابات الآسينية أن
الإسم الأصلى لهم (بنى النذير) أى أنهم من النذريين وهى إحدى فروع طائفة الآسينيين
وقلبت (ذ) إلى ضاد، بعضهم إعتنق المسيحية وبعضهم ظل على اليهودية، ومن هنا فالروايات
الشعبية المرتبطة بأهل الكهف ظلت معلومة عند يهود بنى النضير لذلك فعندما جاءهم وفد
قريش الذى أراد إحراج الرسول صلى الله عليه وسلم فسألوه هذه الأسئلة التى من ضمنها
فتية الكهف.
⚫ الزمن الذى عاش فيه فتية الكهف :
إكتشفت الحفائر الأثرية فى موقع الكهف عملات أثرية عبارة
عن عملات برونزية من القرن الأول ق.م وحتى القرن 19م، كما إكتشفت أيضاً بعض العملات
التى تحمل إسم الإمبراطور ثيودوسيوس، ولذلك ربط الكثير من العلماء بين قصة الفتية وبين
هذا الإمبراطور على إعتبار أن الجدل حول قضية البعث بعد الموت هل هو بالجسد أم بالروح
فقط آم بالاثنين معا، أما نحن فنقول لهؤلاء وأولئك أن إكتشاف عملات فى أى موقع أثرى
لا تدل على تاريخ إنشاء هذا الموقع ولدينا الكثير من الأدلة على ذلك، مثلاً دير الأنبا
أراميا فى سقارة إكتشف فيه عملات ترجع لعصر هشام بن عبد الملك فهل معنى ذلك أنه بنى
فى عصر هذا الخليفة الأموى الذى حكم بين عامى 105 : 125هـ؟ قطعاً هذا كلام غير صحيح.
لأن هذا الدير يرجع للقرن 5 - 6م وظلت الحياة قائمة ومستمرة
فيه حتى عهد هذا الخليفة وغير ذلك من الأمثلة، فإكتشاف عملات اثرية فى موقع أثرى ليس
بالضرورة أنها تؤرخ لإنشاء هذا الموقع إنما هى قرينة تثبت أن هذا الموقع إما ظل مستخدماً
أو تم التسلل إليه أو سرقته فى عصر تال.
وبناء عليه وبما أن القضية الجدلية المرتبطة بالبعث مرتبطة
بالإمبراطور ثيودوسيوس؛ فمن خلال هذه المعلومة نستطيع القول بأن زمان أهل الكهف كان
قريب من عام 116م أثناء الحرب اليهودية عندما حارب اليهود الرومان من جهة والمسيحيين
من جهه ثانية واليهود المرتدين عن ديانتهم من جهة ثالثة الذين أصبحوا الآسينيين والأبيونيين
فيما بعد، فهذا التاريخ هو الزمن المعقول لفرار الفتية بدينهم إلى الكهف، نضيف إليها
300 عام وهو التقويم الشمسى فبالتالى فتاريخ قيام الفتية من نومهم هو سنة 416م، أما
السنوات التسع التى وردت الإشارة إليها فى الآية القرآنية "ثلاث مائة سنين وإزدادوا
تسعاً ..." إنما هى دليل على صدق النص القرآنى لأن هذا التقويم ليس تقويما هجرياً
ولكن 300 هو التقويم الشمسى الذى كان يتبعه الآسينييون أما التسع سنوات فهى وفقاً للتقويم
القمرى الذى كان يتبعه اليهود.
⚫ أسماء فتية الكهف:
قبل أن ننهى هذا الجزء الخامس والأخير من قصة آهل ادكهف بقى
أن نذكر أسماء فتية الكهف، وبالرغم من نفينا المتكرر للعلاقة بين قصة نيام أفسوس السبعة
وبين قصة أهل الكهف الواردة بالقرآن الكريم، فإن الأسماء المعروفة هى الواردة فى المصادر
السريانية وعنها الرواية القبطية فضلأً عن الرواية الشعبية، ونجد إختلاف فى بعض الأسماء
بين الروايات المختلفة وتلك الأسماء هى:
- إسم (يمليخا) فى الرواية السريانية يقابلها فى القبطية
(ملخوس).
- مكسيميانوس
- مارتينيانوس
- بونوسيوس
- يؤنث وهو فى الرواية القبطية (يوحنا)
- سرابيوس
- قسطنطينوس
- ورد فى الرواية السريانية إسم (أنطونينوس) ولم يرد فى الرواية
القبطية.
ولكن المهم فى هذا الموضوع أن أسماء أهل الكهف الواردة فى
المصارد السريانية قد نقشت كتابةً على بعض الآثار المصرية الإسلامية ومنها على سبيل
المثال (مدرسة الجمالى يوسف بالأزهر - سبيل عبد الرحمن كتخدا ببين القصرين أعلى المدخل
الرئيسى - البلاطات الخزفية بجدار القبلة بمسجد دمقسيس برشيد - باطن قبة مصطفى دعبس
بالمحلة الكبرى).
⚫ هذة خلاصة كل ما يتعلق بقصة أهل الكهف من الناحية
التاريخية والأثرية والزمانية والمكانية وأيضاً أسماء هؤلاء الفتية، وتلك آية من آيات
الله الباهرة التى تثبت أن محمداً صلى الله عليه وسلم لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحى
يوحى؛ فمن أين لمحمد - إذا لم يكن نبياً مرسلاً - أن يعرف أسرار اليهود فى زمانهم الغابر
وطوائفهم والتى لم يكن يعلمها إلا اليهود أنفسهم، لذلك أرسل مشركى قريش إلى يهود يثرب
يريدون إحراج الرسول صلى الله عليه وسلم ثم جاءه الرد بالجواب الشافى من فوق سبع سموات.
فقصة أهل الكهف دليلاً على صدق النص القرآنى وأن الإسلام
والقرآن هو كتاب الله الخاتم المهيمن على كل الكتب السماوية، أما ما يتعلق بمعتقدات
اليهود والمسيحيين فلهم الحق فى إعتناق ما يريدون وسوف يظل الخلاف بين اليهودية والمسيحية
والإسلام موجود ولن يحسم إلا يوم القيامة كما نص الله تعالى فى كتابه العزيز
"إن ربك هو يفصل بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون" فنحن لا نشكك
فى أى عقائد لكل ديانة من الديانات "لا إكراه فى الدين" "لكم دينكم
ولى دين" ولكننا نتناول القصص القرآنى وغيرها من القصص لإستنباط دلالات علمية
وتاريخية أقرب ما تكون إلى الحقيقة وفقا للمنهج التكاملي النقدي المقارن بين علمي الآثار
والتاريخ وما يرتبط بهما من علوم مساعدة آخرى نظرية وتطبيقية؛ حتى نصل إلى الحقيقة
آو على الأقل آقرب إلى الحقيقة؛ آما مايفعله الحداثيين والعلمانيين والملحدين والمشككين
فلا علاقة له بالمنهج العلمي السليم من قريب آو بعيد لأن هدفهم واضح وجلي وهو إثارة
الشكوك والشبهات فقط
إرسال تعليق