التنسيق الحاصل بين الموساد والمخابرات الأمريكية في حرب يونيو/حزيران 1967
-2-
نكمل ما قد بدأناه في المقال السابق
في غرفة لإعداد المعلومات في لانجلي، واجه مئير عميت جماعة من كبار خبراء وكالة الاستخبارات المركزية لشؤون الشرق الأوسط، من بينهم جيمس أنجلتون، وقال لهم باقتضاب: هل ستقوم حرب عما قريب وجيشنا الآن في حالة تعبئة عامة؟!. ليس في وسعنا البقاء على هذه الحال مدة طويلة، في حين يتردى اقتصادنا لأن جيشنا من المدنيين، بل ليس لدينا الآن قوة بشرية لجني الغلال. علينا أن نتخذ قرارات سريعة، وإذا لم نقم بضرب المصريين فسيقضون علينا.
وانتقل عميت بعدئذ إلى تقديم تفصيلي للتحليل الذي يتصوره الموساد للوضع
العسكري. وفي كل مناسبة، كان الأميركيون المقابلون له يسألونه ويستجوبونه بدقة.
وكانوا هادئين تماما حين طلبوا منه أن يخبرهم عن عدد الخسائر من البشر الذي ستتكبده
إسرائيل إذا قامت بالهجوم أولا، والعدد المقابل له إذا أطلق المصريون الطلقات
الأولى.
ورد عميت: إذا تمكنا من توجيه الضربة أولا فستكون إصاباتنا خفيفة نسبيا، أي
بضع مئات من القتلى لا أكثر، أما إذا جلسنا ننتظر أن يبدأوا هم بالهجوم فسنكسب
الحرب بالرغم من ذلك، ولكن خسائرنا ستقارب عشرة آلاف قتيل عندئذ.
ولم يتمالك رجال الاستخبارات المركزية أنفسهم من التأثر بما قدمه مئير
عميت، وهم لم يكونوا في حاجة إلى من يخبرهم بفداحة الكارثة التي ستحل بإسرائيل إن
هي خسرت عشرة آلاف رجل. لكنهم واصلوا توجيه الضغط عليه، ولما أنهى عميت عرض موقفه
أخرجوا ما عندهم من خرائط ومعلومات قدمتها لهم شبكة عملائهم ودبلوماسييهم.
وارتاح عميت لأن كل شيء من معطيات وكالة (سي. آي. إيه.) كان يعزز ما قدمه
هو من معطيات، وعرفوا أنه لم يكن يخدعهم.
وفي واقع الأمر، وجد عميت أنهم تقبلوا كل ما أدلى به من حجج ما عدا واحدة
منها. وقال المتحدث الأساسي باسمهم لعميت: نعتقد أن المصريين منتشرون في الصحراء للقيام
بدور دفاعي، وقد وافق خبراؤنا العسكريون على هذا التفسير بعد دراسة جميع الصور
الجوية التي أخذت لجحافلهم وقواتهم العسكرية الأخرى، ولا نرى أنهم سيقومون
بالهجوم. ورد عميت على ذلك مهتاجا: «وأنا أقول لكم إن خبراءنا نحن يرون أن دور
المصريين هو دور هجومي، فلماذا يزحفون في صحراء سيناء للدفاع عن أنفسهم؟ ورد رجال (سي.
آي. إيه.) على ذلك ردا منطقيا هادئا: لأنهم مقتنعون بأنكم أنتم ستقومون بمهاجمتهم.
وكانت حدة الحوار تشتد أحيانا، ولكن مئير عميت تمكن في النهاية من کسبهم إلى
جانبه. وقال عميت مدافعا عن وجهة نظره: أولا للفروق التي تتحدث عنها كتب الحرب بين
الموقف الدفاعي والموقف الهجومي، ونحن بكل حال مجبرون على التعبئة مهما كانت طبيعة
نواياهم، وليس في وسعنا أن ندع الجيش المصري يستقر على حدودنا، ونحن نمني أنفسنا
بأنه ربما يقوم ببعض أدوار اللعب والتمثيل! لقد اضطررنا إلى استدعاء الاحتياط بعد
أن زحفوا داخل سيناء، وأنتم تعلمون صحة هذا القول من مصادركم الخاصة: إنهم هم من بدأوا،
أما نحن فرد فعل، والأمر سواء لدينا، فمهما كانت المناورات التي يمارسها المصريون،
فسيمني اقتصادنا بالدمار إذا بقي البلد بأسره في حالة حرب إلى أمد ما..."
وواصل عميت حديثه الحماسي المنفعل، قائلا: إنكم تعرفون، بدون تصريح مني أن القوات التي تمثل دورا دفاعيا تستطيع الانتقال إلى دور هجومي في غضون دقائق معدودات، ومهما يكن شأن المشروع الذي خطط له المصريون أولا، فإنهم يعتقدون أن في وسعهم إلحاق الهزيمة بنا، وذلك ما دأب الروس على قوله لهم منذ أسابيع، ولن يغير هؤلاء قولهم فجأة ويبلغوا دمشق والقاهرة بضرورة سحب القوات. إن موسكو تريد الحرب، وقد أقنعت العرب بأن الوقت المناسب لها قد آن أوانه. كان الوقت بعد الظهر آنذاك، وكانت الجلسة المرهقة ما زالت معقودة منذ الساعة التاسعة صباحا.
إرسال تعليق